النفس المطمئنة «1 ـ 2»
عماد بن سعيد الرواحي -
النفس المطمئنة هي النفس التي وعد الله تعالى صاحبها بالنعيم وأعد لها الرضى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، لذا هي منشود كل محب لله عز وجل عارف به، وهي عند أهل التفسير الموقنةُ المصدقةُ (انظر القرطبي)، ولعل هذا التعريف منهم لها، لأنها صدّقت بوعد ربها ووعيده فأيقنت به ثم عملت مطمئنةً، وهو من باب تعريف الشيء بأصله؛ إذ الطمأنينة فرع التصديق والإيقان والله أعلم.
- النفس المطمئنة عند أهل السلوك والتربية الروحية هي مرتبة من ثلاث مراتب، وبعضهم يقسمها إلى سبع إمعانا منهم في الفروقات، ولكن نقتصر على المراتب التي ذكرت صراحة في القرآن الكريم:
1- الأمارة: وهي المنغمسة في الشهوات لا تفتر تأمر صاحبها بالشر تزين له الباطل وهو طيّع لها منقاد.
2- اللوامة: وهي المترددة المشتتة بين الطاعة والمعصية ولا يكاد يجد صاحبها لذة الطاعة حتى ينحدر للعصيان بإلحاح شديد من نفسه.
3- المطمئنة: وهي المستقرة على الطاعة المشتغلة بتلقي تجليات الرب عز وجل المتفيئة بظلال الأنس بالله الملتذة بمناجاته.
هل مرتبة الطمأنينة كسبية أم وهبية؟
الأصل أنها كسبية تبلغ بالجد والصبر والعلم والصحبة الصالحة والدعاء بعد توفيق الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ألم أحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).
وعن ابن المنكدر أنه يقول: «جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت» (السير (5/355)
وعن ثابت البناني: «كابدت الصلاة عشرين سنة - يعني قيام الليل- وتنعمت بها عشرين سنة» (السير 5/224)
هل المطمئنة مستقرة على الطاعة بمعنى أنها لا تعصي الله عز وجل بعد بلوغها هذه المرتبة؟
لا، ولكن مقامها مقام الطاعة بمعنى أن غالب إقامتها على الطاعة متقلبة بين صنوفها ورياضها، ولئن زلت بها القدم في فترة ضعف سارعت إلى التوبة، فهي لا تقيم على العصيان ولا يكثر تعثرها.
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
- صفات النفس المطمئنة (علامات):
سأجمل هذه الصفات لأجل الاختصار مع أن كل صفة تحتاج أحيانا لمقال مستقل.
1- الرضى بما قسم الله والاعتدال في المشاعر:
عدم المبالغة في الفرح بالخير ولا في الحزن على الفقد. اتزان بسبب قوة التسليم لله عز وجل:
«مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ » «الحديد: 22، 23»
«الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» «البقرة: 156، 157».
2- الإخلاص، لأن صاحب النفس المطمئنة يشاهد الله في كل شيء، وقد تقدم أنها الموقنة المصدقة.
3- كثرة الذكر ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) الذكر المصحوب بالتذكر.
4- الصدق مع الناس لأنه اطمأن إلى الله عز وجل بأنه الضار النافع المعطي المتصرف الحقيقي فلم يجد الكذب إليه سبيلا فهو غير محتاج إليه لأنه لا يحسب للخلق حسابا إلا حسابا أمره الله به فلِمَ يكذب؟!.
5- الجود والكرم، لأنه يعلم يقينا أن المال مال الله، فلم تأسره شهوة المال، وقد صدق بأن ما ينفقه هنا غادٍ إليه يوم المعاد بأَضعاف مضاعفة.
أخي القارئ الكريم: هل لاحظت السببية بين اليقين والنفس المطمئنة؟
6- يعفو ويراضى، لأنه معلق بالله فلم تأسره شهوة الاستكبار والانتصار الجاهلي للنفس.
7- لا يستميت في الدفاع عن النفس إنما يدرأ الشبهة من غير تكلف فالأمر عنده لله وهو المؤثر الحقيقي.